معالم شخصيته

مَنْ يدركُ أن الحياةَ، إنما تُعاش لهدف وغاية- وقليل من الناس مَنْ يدرك ذلك- يصبح العيش بالنسبة له مضمارًا للتحديات اليومية؛ ومواجهة التحديات اليومية بألوان من الصبر والأمل والحيلة والتدبير.. وإنَّ ما مرّ به محمد البراهيم السبيعي – رحمه الله – من صعوبات وتحديات ونجاحات وانكسارات في مراحل حياته المختلفة كان لها كبير الأثر في رسم ملامح وسمات شخصيته الفذة والتي يمكن تحديد بعض سماتها في النقاط التالية:

السمة الأولى: الالتزام بمنظومة القيم الإسلامية

اتخذ محمد السبيعي – رحمه الله – منظومة القيم الإسلامية إطاراً مرجعياً لكافة قراراته وعاداته ومواقفه، وحرص طوال حياته – قدر الإمكان – أن تكون كافة أعماله الشخصية والاجتماعية والتجارية متوافقة مع أحكام الشريعة ومنطلقة من أصول الدين، ومحققة للغايات الحميدة التي دعت لها نصوص القرآن والسنّة.

السمة الثانية: قوة الشخصية:

حين يمتلئ الإنسان بطاقة الأمل، وروح التفاؤل، المقرونة بقوة الشخصية؛ يصبح النجاح بالنسبة له مسألة وقت..! هكذا رأى محمد البراهيم السبيعي، حياته وعمله بعين البصيرة، والتحدي منذ سنوات الصبا الأولى في مكة المكرمة، حيث اكتسب فيها كثيرًا  من  التحديات التي واجهها بقدر كبير من الصَّلابة وشدة التحمّل وقوة الشخصية والصبر والتريث والتفكير السليم المتأني والمقدرة الفاعلة على اتخاذ القرار السليم في الوقت الوجيز.

 السمة الثالثة:  الانتماء للمجتمع والوطن: 

أدَّت النجاحات التي حقَّقها إلى انتمائه الشديد لمجتمعة ووطنه، وانتمائه وحبه الفيَّاض للوطن، وزادت من حرصه على صلة الرحم، وسؤاله عن الجميع، وتواصله مع الجار بالحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره؛ فليصل رحمه».

 السمة الرابعة:  العطف على الفقراء:

إن فَقْدَ السبيعي لوالديه، رحمهما الله، أورثه الحنان المتَّقد تجاه أبنائه وأحفاده، وما مرَّ به من حاجةٍ جعلته ينظر إلى الفقراء والمساكين نظرة عطف؛ لذلك رأيناه دائمًا متلمِّسًا حاجاتهم وساعدهم؛ اقتداءً بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرَّق بينهما».

وهكذا كانت مسيرته – رحمه الله – شعلة من التفاني والعطاء وتقديم الخير للنّاس، وهو عطاء يستحق التكريم والتوثيق؛ ليكون نبراسًا للأجيال المقبلة ولمعرفة الأجيال الحاضرة بما كان عليه حال الرواد السابقين في الماضي القريب، وما واجهوه من تحديات، وقسوة حياة في مختلف مجالات العيش، مقارنةً بما ينعمون به من توافر أسباب الحياة الرغيدة العيش والمرفهة.

 السمة الخامسة:  الانفتاح على الحضارات:

اكتسب محمد بن إبراهيم السبيعي من خلال إقامته في الحجاز والتقائه بالحجاج والتجار من كل الأقطار الإسلامية، أفقًا واسعًا واطِّلاعًا كبيرًا على ثقافات الشعوب وطباعها وكثيرٍ من عاداتها وتقاليدها، وبات أكثر انفتاحًا من أقرانه على ثقافات الآخرين..؛ فكوَّن رصيدًا طيبًا من العلاقات الاجتماعية الحميمة مع فئام من أهل الحجاز والشام ومصر والهند، وما زال بعضها ممتدًا وموصولاً إلى اليوم؛ وقد كانت علاقاته متشعبة نتيجة لحسن خلقه ودماثة طباعه، وأدبه الجم مع الجميع.

السمة السادسة: الحرص على الأبناء:

حمل محمد بن إبراهيم السبيعي – رحمه الله- بين جنبيه قلبًا رقيقًا وحنانًا متأججًا، وقد كان شديد الحرص على صحة أبنائه؛ فيروي لنا لما مرض ابنه إبراهيم، وكان عمره لا يتجاوز العامين وكان محمد بن ابراهيم السبيعي حاجاً مع سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – فلما علم بمرضه جاء من منى وأخذه إلى المستشفى اللبناني في جدة، وكان يُعدُّ من أفضل المستشفيات في ذلك الوقت؛ فطلب إليه الدكتور جبارة – وهو متخصص للأطفال – أن يقيم في المستشفى لأيام عدة للعلاج، ولأن محمد بن ابراهيم السبيعي كان حاجاً ذلك العام فلم يستطع ترك إبراهيم وأمه في المستشفى، فاستشار صديقه صالح البسام؛ فنصحه بأخذه إلى الطبيب يوسف الهاجري، فكشف عليه وقال: حالته الصحية ممتازة، ويحتاج لتغذية جيدة، ونصحه بعض النصائح وعاد محمد البراهيم السبيعي إلى منى ليُكمل حجته وقد أطمأن على ابنه.

وقد كان محمد بن ابراهيم السبيعي، حريصًا على متابعة تعليم أبنائه وأحفاده؛ ومن ذلك أنه في وقت مضى كان لطلاب الصف السادس والثالث المتوسط والثالث الثانوي صفة خاصة في الامتحانات، بأن يجمع طلاب المدارس في مدرسة أو مدرستين أو أكثر لأداء الامتحان، ولهم وقت خاص والأسئلة تعد وتكتب مركزيًّا من وزارة المعارف ورئاسة تعليم البنات حينها، وكانت ابنته (هدى) تدرسُ في نهاية المرحلة المتوسطة، ووصلت إلى المدرسة وقد نسيت إحضار رقم جلوسها؛ فطلبت إلى السائق إحضاره، فما كان من والدها (محمد البراهيم السبيعي) إلا أن حضر مع السائق بنفسه وفي وقت قياسي، وهو يقول: خشيت ألا يحسن السائق التصرّف؛ فيتأخر وتُمنعي من دخول قاعة الاختبار! جزاه الله الفردوس الأعلى بلا حساب. كان حريصًا على تعليم أبنائه ومتابعتهم، يسأل عن المدارس الفضلى ليلحقهم بها، وفي الإجازة يحرص على تعليمهم الخط ويجري مسابقة لأجمل خط فكان الحكم فيها أخاه وصديق عمره الأستاذ عثمان الصالح – رحمه الله وغفر له -.

وكان محمد بن إبراهيم السبيعي-رحمه الله – يحلو له إطلاق الألقاب والمسميات الحسنة على أبنائه وأحفاده والعاملين معه، من باب بث روح التفاؤل والعزيمة في نفوسهم.

ومن ذلك: أنه لقَّب ابنه (ناصر) بذي النورين ويناديه بذلك دائمًا؛ لأن اسمه (ناصر) على اسم عمه ناصر – رحمه الله -، ولأن ابنه (ناصر) سمَّى ابنته (نورة) على اسم جدته نورة العماش – رحمها الله – والاثنان لهما مكانة خاصة في قلب محمد بن إبراهيم السبيعي، وكان يقول: «هما كالنور الذي أضاء لي حياتي..!».

السمة السابعة: الحفاظ على النعمة:

يبدو أن حالة الفقر الشديد التي مرَّ بها محمد بن ابراهيم السبيعي في مقتبل عمره جعلته يقدِّر النعم والأموال، ويصرفها باعتدال في مصارفها المباحة المشروعة دونما إسراف أو مباهاة، وها هو يتذكر حتى اليوم (سيارته الأولى)، قال – رحمه الله::

«في عام (1359هـ) اشتريت أول سيارة وهي موديل «أولدزمبيل»، بسعر(3500) ريال زرقاء اللون، وكانت مستعملة، وقد اشتريتها من سلمان بن محمد السميري -رحمه الله – ودربني على قيادة السيارة، كما دربني أيضًا على قيادة السيارة ابن حميدان – ممن نعرفهم في مكة – وبعدها شغفت بهذا النوع من السيارات؛ فاشتريت سيارات عدة من  النوع نفسه».

 السمة الثامنة: رعاية الأيتام:

لقد كان لمرحلة اليتم التي مرَّ بها محمد بن إبراهيم السبيعي الأثر الأكبر في تبنيه الأعمال الخيرية المتعلِّقة بالأيتام؛ فقد عاش يتيمًا ولم ينعم برؤية والده كما كان حال أقرانه الذين عاشوا مع محمد بن إبراهيم السبيعي؛ لذا صارت مشاريع الأيتام لها الأولوية والاهتمام الكبير في أنشطة مؤسسة محمد وعبدالله السبيعي الخيرية، فالمؤسسة؛ بناءً على توصية وتوجيه محمد بن إبراهيم السبيعي وأخيه عبدالله تقدِّم الأيتام في الدعم على غيرهم، ويتوافر لدى المؤسسة برنامج دعم الغذاء والكسوة، والبرنامج المتميز في كيفية دعم اليتيم لاعتماده على نفسه من الناحية العلمية والتعليمية والتربوية والسلوكية، بالإضافة إلى ما يُسمَّى بـ(الرعوية)، وجميع هذه البرامج تتبناها المؤسسة في كل منطقة من مناطق المملكة، وحُدِّد مدة زمنية قدرها أربع سنوات كي يخرج اليتيم برؤية وشخصية متكاملة يستطيع أن يواجه صعوبات الحياة.

كما تدعم مشاريع لمعالجة الفقر من اهتمامات وأولويات محمد بن إبراهيم السبيعي في سبيل الأعمال الخيرية، وما ذاك إلا لأنه قد عانى من مشكلة الفقر، لذا رسَّخ في المؤسسة، قاعدة مهمة تجاه مشاريع معالجة الفقر، تقوم على مقولة المثل الصيني المعروف، «بدل أن تعطي الفقير سمكة؛ قدِّم له صنارة صيد».