نسبه ومولده:
يعود نسب محمد بن إبراهيم السبيعي، إلى قبيلة سبيع، من مدينة عنيزة، حيث ولد فيها عام (1333هـ/1915م)، وهو العام الذي سُمِّي بعام (جراب)؛ لوقوع معركة جراب الشهيرة فيه التي انتصر فيها الملك عبد العزيز آل سعود على ابن رشيد رحمهما الله.
عمل والده إبراهيم في المدينة المنورة، الذي توفى عام (1344هـ/1926م) مع أكبر قادة الملك عبدالعزيز – طيب لله – ثراه، وكان كثير الترحال، والتنقل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ سعيًا إلى طلب الرزق، أيامَ كان يضرب الفقر أطنابه على معظم سكان الجزيرة العربية، وحين كان أهل نجد يغادرون مناطقهم إلى الحجاز والشام والهند للتجارة والبحث المضني عن لقمة العيش.
أما والدته فهي نورة بنت ناصر العماش، من محافظة البدائع بالقصيم، وهي من بيت علم ودين، وينتهي نسبها إلى قبيلة قحطان، توفيت عام (1404هـ/1984م)، كان لها دور كبير في تربيته وتوجيهه منذ صغره إلى حفظ القرآن والتعلُّم وضرورة السعي والعمل.
زوجتهُ وأولاده:
تزوج السبيعي في حياته مرتين، الأولى عام 1358هـ من موضي بنت محمد الدامغ, وأنجبت له (لولوة) ثم توفيت, والثانية عام 1368هـ من أم إبراهيم (منيرة بنت حمد السماحي)، وأنجبت له ثلاثة من الأبناء، هم: إبراهيم؛ وناصر؛ وعبد العزيز؛ كما أنجبت له ستًا من البنات، هن: (هدى؛ هيفاء؛ وفاء؛ مها؛ ندى؛ نهلة.
النشأة:
نشأ محمد بن إبراهيم السبيعي، رحمه الله، في مدينة عُنيزة، أقدم مدن منطقة القصيم، وثاني أهم مدينة في المنطقة. (تبعد عن العاصمة الرياض نحو 340 كلم غربًا)، وقد أكسبها موقعها الجغرافي أهمية خاصة؛ لتوسطها المسافة بين بلاد العراق وفارس مع مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ ما جعلها – كما هي اليوم – محطة استراحة لحجاج تلك الجهات.
وتتمتع مسقط رأسه عُنيزة بمعالم سياحية عدة، وخرج منها رجال ونساء مبدعون وشعراء ووزراء وعلماء وباحثون وكُـتـّـاب ومهندسون وتجار ورجال أعمال. أطلق عليها المؤرخ واﻷديب والرحالة اللبناني المعرف أمين الريحاني (1876-1940م)، وصف (بارس نجد).. حين زارها وكتب عنها واجتمع مع أهاليها بمختلف طبقاتهم، واستمع وشاهد بعض الصور والمواقف واﻷحداث المضيئة التي يقوم بها أهل (عنيزة)، دون سواهم من المدن أخرى المجاورة، تعكس وعيًا وثقافةً وفكرًا وانفتاحًا ملحوظًا ومبكرًا في ذلك الوقت.. جنبًا إلى جانب مع الطقس البديع الذي تتمتع به أغلب أيام العام.
في هذا الجو البديع من منطقة نجد التي حفلت بالشعراء، وذُكِرَت كثيرًا في التراث العربي؛ نشأة السبيعي؛ أكسبته هذه البيئة نفسًا زكيّة وروحًا طيّبة، وقدرة على قرض الشعر. قضى طفولته وصباه وشبابه في مدينة عنيزة، وترعرع في أزقتها الضيقة وتعلم في حلقات مساجدها القرآن الكريم، وتغذَّى على مواردها الشحيحة من الماء والتمر، وكان يترقَّب مع أمه عودة أبيه كل أربع سنوات، حيث يقضي معهم ستة أشهر ثم يعود للمدينة المنورة؛ طلبًا للرزق؛ لذا كانت الأم- رحمها الله- أبًا وأمًا له ولأخيه عبد الله؛ فكان محبوبًا بين رفاقه، لم يُؤثر عنه أنه تخاصم يومًا مع صديق أو شقيق.
تعليمه في عنيزة:
قرأ السبيعي – رحمه الله – في مقتبل عمره نصف القرآن الكريم في عنيزة على يد الشيخ عبد العزيز الدامغ – رحمه الله – الذي كان يدرِّس القرآن الكريم لوجه الله تعالى، (فكان بعض الطلاب يعطيه الفطرة في رمضان، وبعضهم يعطيه ريالاً ونصف الريال كل سنة، وبعضهم لا يعطيه شيئًا، وكان معلِّم القرآن آنذاك لا يشترط أي مبلغ لتعليم الطلاب).
ونظرُا لقلة ذات اليد لدى أغلب الأسر آنذاك فقد كان جميع مستلزمات الدرس تُصنع من الأدوات المتوافرة في الطبيعة حسبما، قال محمد البراهيم السبيعي:
كنا نأخذ معنا لوحًا خشبيًا ودواة وهي الحبر، وعودًا خشبيًا للكتابة، كذلك يستعمل الغرين، وهو نوع من الطين لمسح اللوح، وكنا ندرس في الشارع تحت ظل شجرة وإذا أذِّن لصَّلاة الظهر عُدنا بيوتنا”.
السفر إلى مكة:
وبعدما توفى والده إبراهيم السبيعي عام (1344هـ/1926م)، وكان عمره آنذاك، أحد عشر ربيعًا وعمر أخيه (عبد الله)، الذي يصغره بتسعة أعوام(عامان)؛ بدأت رحلتهما مع اليتم في هذه السن المبكرة. ومع تراكم هذه الظروف القاسية؛ أدرك السبيعي واجبه في السعي للبحث عن عمل يكفل له ولوالدته وأخيه عبد الله لقمة العيش؛ فقرر التوجه إلى مكة المكرمة مع عمِّه ناصر السبيعي، للعمل في التجارة، حيث كان اختياره لمكة المكرمة شرَّفها الله، اختيارًا موفقًا، فهي- آنذاك – ملتقى التجار من أنحاء العالم، حيث يتوافد الحجاج والمعتمرون، إضافة إلى قربها من ميناء جدة البحري.
ونظرًا لقسوة الحياة وتكاليفها، فضلاً عن شظف العيش- إضافة إلى فقدها الزوج- اضطرت والدته للموافقة على فراقها ورحيله عنها والرضوخ للواقع مؤقتًا ريثما تتحسَّن الأحوال؛ فاستودعت الله صغيرها والدموع تترقرق في عينيها؛ خوفًا على مستقبل ولدها وحياته.
وفي ليلة ليلاء لا تحمل في جوفها سوى معاني الوداع والهروب إلى المجهول؛ خرج السبيعي مع عمِّه ناصر، عام (1344هـ/1926م) رفقة قوافل الحجيج إلى مكة المكرمة. وغادر عُنيزة، كما غادر ذاكرة الطفولة مكلومًا تسير به الركبان وعيناه تنظر إلى الوراء، فقد تكون النظرة الأخيرة التي ترك فيها والدته وأخاه الصغير.. وعن هذا موكب الحجيج روى قصة الرحيل، يقول السبيعي:
«كان الحجيج يجتمعون على مسيرة يوم عن مدينة عنيزة، ثم تبدأ القوافل بالسير ومعهم (الهوادج) لحمل النساء فوق الجمال، وكان بعض الحجاج يأخذ معه التمر والدبس والمضير والسمن لبيعه في مكة المكرمة؛ ليقتاتوا منه أثناء رحلة الحج في مواءمة بين أداء الفريضة والتجارة».
دراسته في مكة المكرمة:
سار السبيعي مع عمه ناصر في شهر ذي القعدة عام (1344هـ/1926م) في موكب الحجاج على الجمال في رحلة شاقة استغرقت سبعة وعشرين يومًا حتى وصلوا إلى مكة المكرمة. وعندما وصلوا أدخله عمه (ناصر) الكُتَّاب؛ لإكمال دراسته القرآن الكريم عند المُعلّم عبد المجيد الشنقيطي، في مسجد يقال له: (مقرأ الفاتحة)، استكمالاً لقراءة نصف ما قرأه في عنيزة على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ، رحمه الله، يقول السبيعي في سبب تسمية المسجد بذلك الاسم قبل توحيد المملكة:
«كان هناك مسجد في مكة يُقال له (مقرأ الفاتحةُ)، سمي بذلك لأنه في طريق المقبرة وإذا مروا بالموتى يقفون عند المسجد ويقرؤون الفاتحة».
وحرص عمه ناصر على دراسته وتعليمه من خلال مواصلة الدراسة في المدرسة الوحيدة في مكة آنذاك (مدرسة الفلاح) بمكة المكرمة، التي كان يديرها آنذاك الأستاذ عبد الله حمودة السناري، يقول السبيعي عنها:
«كانت مدرسة الفلاح تضم نخبة من الأساتذة الذين هم أهل للثقة، ومنهم الأستاذ سليمان الغزاوي – رحمه الله – الذي كان يدرِّس الخط، وقد كان خطه رائعًا، والأستاذ إبراهيم النوري لعلوم القرآن، والأستاذ عبد الوهاب آشي للإملاء، والأستاذ محمد القوري للتجويد. وبعد فترة».
وعندما أدرك عمه ناصر أن المدرسة يقضي الطالب فيها معظم النهار؛ ما يعني انقطاعه عن العمل في الدكان، فأخرجه منها.
من أبرز معلمي السبيعي – رحمه الله:
الشيخ عبد العزيز الدامغ معلم القرآن بعنيزة.
الأستاذ عبد الماجد الشنقيطي معلم القرآن بمكة المكرمة.
الأستاذ عبد الرحمن الراشد مدرس الدين في مدرسة الفلاح بمكة.
الأستاذ سليمان الغزاوي معلم اللغة في مدرسة الفلاح بمكة.