تجاوب محمد البراهيم السبيعي – سلّمه الله – مع إلحاح مجلة اليمامة عليه بطلب حوار صحفي في سبتمبر من عام ٢٠٠٤م، ونجحت المجلة في استكشاف (الجوانب الاجتماعية والتربوية في شخصية السبيعي، حيث تحدث معهم حول زيجاته وأولاده، كما وصلت (اليمامة) في حوارها معه إلى قناعاته إزاء ملفات متطلبات السعودة ودور التعليم ومستقبل العمل المصرفي في السعودية. (1)
الزواج
- الزواج أو ليلة العمر كما يحلو تسميتها هذه الأيام.. كيف كان في ذلك الوقت، وكيف تم زواجكم.. وكيف تنظرون إلى ما يجري من بذخ في حفلات الأعراس هذه الأيام؟
- كان عمي ناصر – رحمه الله – سوف يزوجني ابنته ولكنها مرضت ولم يتم الزواج، فسافرت من مكة لعنيزة وتزوجت زوجتي الأولى بألفي ريال عام ١٣٥٨هـ وارتحنا معًا وعندي منها بنت وتوفيت زوجتي الأولى بمكة – رحمها الله – فتزوجت أم إبراهيم – حفظها الله – ومتعها بالصحة عام ١٣٦٨هـ بأربعة آلاف ريال فضة كبار وسميتها أم أربعة، أما بنت عمي فتزوجت وسافرت الكويت وضلوا الطريق وتوفاهم الله وكثيرون كانوا يموتون بالصمان؛ لأن الخطوط صحارى ورمل. أما ما يحصل من البذخ والإسراف حاليًا بالزواجات وخلافها فهو خطأ والدين والعقل ضده.
- ما الشخصية التي تأثرت بها في بداياتك؟
- لم أتأثر بشخصية معينة، بل بتوفيق الله ثم اطلاعي على قصص نجاح المكافحين بشرف وأمانة وقصص من فشل منهم، وعمي، جزاه الله الجنة، يوصيني بذلك ويؤكد عليّ بالكفاح الدائم.
دور التربية
- ما الدور الذي قمت به في مجال تربية الأبناء.. وما هو رأيك في من يوكل هذا الدور للخدم ويتفرَّغ لعلاقاته الاجتماعية وممارسة أعماله؟
- تربية أبنائنا من فضل الله ثم اهتمامي وشقيقي الوفي عبدالله ووالدتهم بذريتنا وما ينفعهم جد في جد وملاحظتهم دائمًا لكل خطواتهم وتشجيع الناجح والمتساهل ما نعطيه فرصة وكل منا ينوب عن الآخر ومشرفين عليهم لهذا ولله الحمد كلهم ناجحون، أما من أهملوا أبناءهم أو «يدللوهم» أو من يوكل تربيتهم للخدم فسوف يندم مع الآلام والتعب وفوات الأجر وعقاب الله.
- ما المؤهلات العلمية التي حصل عليها الأبناء؟ وهل لك دور في متابعة حياتهم الدراسية بكافة مراحلها؟
- أما مؤهلات أبنائنا الدراسية فجميعهم خريجو جامعات وخبراتهم وخصالهم كلها من فضل الله ممتازة كما هو معروف عنهم مع مراقبة الله في كل أعمالهم وما بنفعهم والحذر مما يضرهم خاصة قرناء السوء والفاشلين على الدوام ونريد أن يتقوا الله في أمور دينهم ودنياهم وأن يقتدوا بي وبعمهم وبالصديق والزميل سليمان العبدالعزيز الراجحي- حفظ الله الجميع – وكذلك بالصديق الزميل سالم بن محفوظ – رحمه الله – الذي كان مراسلاً عند أعمامه آل الكعكي.
قطاع المصارف
- ومتى كانت بداياتك مع قطاع المصارف؟
- نفتخر بزيارات ولاة الأمر لنا وخدمتهم واجبة وبها أجر كما يجب على أمثالنا من الخبراء لاختصاصاتنا تحتاج إلى صفحات وربما بعضها لا داعي لذكرها، وأذكر أنه في عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – إذا وصل لمكة للحج وملاحظة خدمات الحجاج يستقبله المواطنون بعرضات حربية؛ بدافع من محبتهم واعترافًا بفضائله وأسرته ورجاله، فإذا مر أمامهم نزل يعرض معهم بالسيف فحاولت أدخل أعرض معهم وأنا صغير فمنعوني الحراس؛ فقال لهم خلوه يلعب وغيره. وحينما منعنا أحد مسؤولي مؤسسة النقد ألا نحول للخارج تعاطفًا مع البنكين الفرنسي والهولندي بجدة فقط؛ راجعنا الملك وأمر ابن سليمان أن نشجع نحن وأمثالنا وأنه يفرح بتطور المواطنين لا العكس فهو ممن طورنا – رحمه الله – ودعمنا أبناؤه من بعده فنتج عن ذلك تطورنا وزملاؤنا الصرَّافون وتأسيس بنك وطني، وقد تم اختيار اسم بنك البلاد له والذي ندعو الله، عزّ وجلّ، أن يوفقنا والقائمين عليه من الشباب السعودي المؤهل إلى تحقيق ما يصبو إليه ولاة الأمر والمسؤولون عن القطاع المصرفي، وبهذه المناسبة أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للمسؤولين في وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة التجارة ومؤسسة النقد العربي السعودي على ما قاموا به من جهود لإتمام عملية الدمج وتذليل كافة العقبات التي واجهتنا والشكر موصول إلى جميع الإخوة الصرافين والمؤسسين لهذا الصرح على التعاون والمحبة التي سادت الاجتماعات التأسيسية للبنك.
- من واقع خبرتكم بماذا تنصحون الشباب المقبلين على ممارسة التجارة؟
- من خبرتنا ننصح الشباب السعودي بتقوى الله والاتجاه للأعمال الحرة بأمانة ونشاط، وأن يحذروا جيدًا من الحاقدين والحاسدين، وأنصح عموم المواطنين بمضاعفة الشكر لله ثم لولاة الأمر والتعاون معهم والدعاء لهم لما نتمتع به من نعم بعد الأضرار من كل جهة قبل الملك عبدالعزيز ويؤيّدني كل مواطن وغير المواطنين يهنئون السعوديين ويتمنون الحصول على الجنسية السعودية.
فائض الميزانية
- الشيخ محمد .. ما هو تعليقكم على أمر صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله ولي العهد -حينها- بتخصيص مبلغ (٤١) مليار ريال من فائض الميزانية لصالح عدد من المشاريع وبنك التسليف وصندوق التنمية وما يحققه ذلك من رفاه للمواطنين؟
- رُزقت هذه البلاد منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – بقادة يسعون دائمًا وأبدًا لخدمة الوطن والمواطن وأبناء الملك عبدالعزيز وبحكم تجارب ومعرفة شخصية بهم هم من كل خير قريب وهذه نعمة يجب أن نحمد الله عليها وأن ندعو لهم دائماً بأن يرزقهم الله البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
ويأتي تخصيص جزء من فائض الميزانية لما يحقق رفاه المواطن في هذا السياق فهو ليس بالأمر الجديد ولا المستغرب.
مع ابن باز
- لكم علاقة بالشيخ ابن باز – رحمه الله – نود لو تذكر لنا نوعية هذه العلاقة ومتى بدأت؟
- علاقتنا مع المحب النادر من كل جهة الزاهد مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ممتازة لأنها مبنية على التعاون لله مهما كلفنا كما قلت بمرثيتي له بالجريدة وقاله غيري ويؤكده تحمله النادر في سبيل الله، وكم أقرضنا ملايين بكفالته لأعمال خيرية ممتازة لآجال طويلة وبوصيته – رحمه الله – قال سددوا لمحمد وعبدالله السبيعي مهما طلبوا مصدقين وعندنا صورة من وصيته ومعرفتنا له من صغره أول عمله قاضياً بالخرج حج معنا فرضه عرَّفنا عليه شريكنا سابقاً الشيخ سليمان بن غنيم لأن له علاقة نسب مع أخ الشيخ من أمه إبراهيم بن سيف – رحمهم الله – وجمعنا معهم بجنته.
- الشيخ محمد كيف كانت ممارسة التجارة بشكل عام في بداياتكم؟
- في ما مضى كانت التجارة بالتخمين والمراوغة (الشطارة) في نظر بعض التجار، حيث يرى التاجر أي بضاعة قليلة ولها مستقبل في كثرة الطب عليها، يشتري بكتمان أو ربما له وكيل نشط في البلاد المجاورة يرسل له مندوبًا خاصًا نشطًا يسري الليل ويمشي بالنهار على «ذلول» ممتازة يصل لعمله بربع المدة المقررة، مثلاً ما بين جدة والقصيم في وقت السفر الطبيعي عشرين يوماً يقطعها هو في خمسة أيام.
فإذا وصل المندوب للمدينة المقصودة «نوُخ» الذلول وعقلها ودخل المدينة متخفيًا ويحاول أن يكون نصف الليل لكي لا يراه أحد، وتوجه لمنزل التاجر وسلَّمه الرسالة أو بلَّغة شفهيًا طلب نوع البضاعة أو أنواعها مثلاً القماش أو الهيل أو القهوة أو السمن أو السكر أو الشاهي أو الذهب سعرها ارتفع أو انخفض..؛ فالتاجر يبقي المندوب في البيت «سجينًا» ويرسل للذلول من يحطها في مكان بعيد عن الأعين لكي لا يطلع أحد على هذا المندوب أو «ذلوله» فينفضح السر، ويبدأ التاجر يشتري المطلوب من السوق إذا السعر هناك طالع وإذا السعر نازل يبدأ بالبيع بطرق عجيبة وربما بعضها «حرام».
أوصيكم بالعمل الحر
- هنالك من يفضل العمل كموظف لضمان الراتب على أن يدخل في مغامرة العمل الحر.. ماذا تقول لهؤلاء؟
- المملكة ولله الحمد «الآن» فيها مجالات واسعة للأعمال الحرة والوظيفة غير الحكومية مستقبلها أحسن للشباب «النشيط» وكثير من الأذكياء والطموحين «استقالوا» من وظائفهم العالية والتحقوا بالعمل الحر ونجحوا جداً لأن في العمل الحر «٩٩٪» من البركة وبعضهم أغرتهم المصانع والشركات برواتب عالية ومميزات أضعاف ما هم عليه وطوروا عملهم الجديد وطوروا أنفسهم برجولتهم واستتباب الأمن والاستقرار وتشجيع الدولة بالقروض طويلة الأجل بدون فوائد والحماية، كما حصل لكثير من النجباء، فهنيئًا لكم ولا تتهافتوا على وظائف الدولة لأنه من الصعب أن تستوعب توظيف خريجي آلاف المدارس والمعاهد والجامعات والحمد لله والشكر ثم لولاة الأمر فالدراسة مجاناً وعلى أعلى مستوى لمن وفقه الله وفي الدول الأخرى يخسر أولياء الأمور للطبة مبالغ طائلة وإذا تخرَّج الطالب أو رسب شقَّ طريقه في العمل الحر وكثير منهم نجحوا جداً وكما قيل «عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان».
- الموظف في القطاع الأهلي يعاني من قلة الراتب ما تعليقك على ذلك؟
- ليس قلة الراتب مشكلة في القطاع الخاص ولكن الطموح هو من يتجاوز هذا ويفكر في المستقبل، وكما قيل «من صبر؛ ظفر» و «من طلب العُلا؛ سهر الليالي» بدون «نرفزة ولا دلع» وهذا الكلام طبقناه على أنفسنا في بداياتنا وغيرنا كثير ممن طبقه ومن يفضل الراحة يوقِّع على الحضور ويهرب من العمل فهو خسران في الدنيا والآخرة.
- ما هي أسباب نجاح العاملين في القطاع الأهلي من المقيمين أكثر من المواطنين؟
- الأسباب هي تهاون المواطن بالعمل وعدم حماسة له وقلة صبره، أما المقيمون فعكسهم تمامًا وهذا سر النجاح في نظري.
عنيزة والشعر
- الشيخ محمد نود لو تصف لنا مدينة عنيزة حين غادرتها عام ١٣٤٤هـ متوجهاً إلى مكة؟
- كانت مدينة عنيزة كغيرها من مدن نجد في ذلك الوقت، فقد كانت البيوت مبنية من «اللبن» والطين وإجمالي حدودها ما يقارب (٢٠٠م x٢٠٠م)، وكان أهلها يغلب عليهم الجهل؛ فأنا أذكر أنه أتى إلينا أحد أهالي عنيزة بعد رحلة اغتراب في أحد البلدان العربية المجاورة وكان يلبس «نظارة شمسية» فكان الأهالي ينظرون إليه بازدراء ويقولون انظروا إلى هذا الذي يقلِّد «الكفار» – والعياذ بالله – هذه حادثة تثبت سطحية التفكير المنتشرة في ذلك الوقت وقلة الاطلاع والاحتكاك مع الغير.
(1) نُشِر هذا الحوار في العدد ١٨٢٥ في ٢٥/٩/٢٠٠٤م من مجلة اليمامة .