كان محمد السبيعي – رحمه الله – يُحب الخير والنفع للناس كافة، ولم يبخل على مجالسيه وأسرته وشركاءه وموظفيه بالتوجيه والنصح والإرشاد، وكان حريصاً كل الحرص على نقل خبرته وتجاربه وحصيلة كفاحه الطويل لمن حوله على هيئة نصيحة مكتوبة أو قصيدة منظومة أو عبارة شفوية رقيقة مؤثرة.
وهنا نستعرض معكم بعضاً من وصايا محمد السبيعي، مع إطلالة عابرة لجدوله اليومي لعلّ أن يكون فيها نفع للقارئ
الافتخار بالحضارة الإسلامية:
سُئِل محمد السبيعي عن موضوع يشغل باله؛ فقال:
يؤلمني جدًا عندما أسمع أن أمريكا اكتشفت قبل (350) عامًا فقط، وأن سكانها الأوائل كانوا أُميين، وخلال هذه المدة الوجيزة تألقوا بالعلم وسادوا العالم بسياستهم ومخترعاتهم، وكذلك اليابان طوَّرت نفسها في فترة محدودة وأصبحت تشتهر بالصناعات الدقيقة جدًا، أما منطقتنا العربية والإسلامية فمتخلِّفة، على الرغم من أنها صاحبة حضارة عريقة عمرها آلاف السنين، وقد برز فيها أبطال وعباقرة في كل مجال استفاد منهم علماء الغرب واكتسبوا من خبراتهم، والمؤسف أن بعض العلماء العرب يذهبون إلى بلاد الغرب، حيث يمنحونهم الجنسية ويغرونهم بالمال حتى يستفيدوا منهم في شتى العلوم، وهذا أمر مؤسف، فبلادهم أحوج لهم، والشاعر يقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة | وأهلي وإن ضنُّوا علي كرام |
نصائح للشباب:
نصح السبيعي الشباب بالصراحة والوضوح والأمانة وحسن النية، وأن يقوم بأداء عمله بنفسه وألا يعتمد على أي شخص مهما كان، وأن يكون حذرًا دائمًا، وأن يترك الكسل ويتعود على أداء عمله مبكرًا فإن في البكور بركة، وها هو يضرب لهم مثالاً من واقعه فيقول في إحدى قصائده مبيِّنًا فضل الله عليه:
ما ورثت ولا درست ولست فني | بل بفضله وامتنانه هو هداني |
كما حذَّر، رحمه الله، من الإعجاب بالنفس والثقة بما يُعجب فيها وحب الإطراء، فيرى أن ذلك من أوسع فرص الشيطان للإفساد. كما يحذر من العجلة في الأمور قبل أوانها، ويوصي بوضع كل أمر موضعه.
يقول محمد بن إبراهيم السبيعي في إحدى قصائه:
وإيـاك لا تغتـر في كـل من جــاك | وإياك لا تغلب ترا الفـخر بالشطــارا | |
ولا تندفع شاور على شان أعداك | ما يشمتوا بك وأنت صاــبك خســـارا | |
واحذـر يغرك من تمسكن ومنـاك | خـــلّــك ذكــي وفــاهـــمــن للإشــارا |
وقد استثمر محمد بن إبراهيم السبيعي اجتماعاته ولقاءاته بأبناء الأسرة والمعارف في تقديم بعض النصائح والخبرات التجارية التي فيها فائدة للجيل القادم، ومنها هذه النصيحة التي لا تفارق لسانه دومًا:
«يا أبنائي، كانت ظروف الحياة التي نشأنا فيها سابقًا فوق كل التصورات، واليوم أنتم تتمتعون – ولله الحمد والفضل- بنعم لا تُعد ولا تُحصى، ولا يعرف قدر هذه النعمة التي نحن فيها إلا من كابر وشقي وذاق مرارة الجوع والتعب؛ فلنحمد الله على ما نحن فيه، ولنشكره على ما أسبغ علينا من فضله، فبالشكر تدوم النعم».
صلة الرحم.. باب الرزق:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، وأن يُنسَأ له في أثره؛ فليصل رحمه».
كان محمد السبيعي- رحمه الله – شديد الحرص على صلة الأهل والأرحام وهذا من أسباب توفيق الله – عز وجل – له، فلقد كان بارًا بوالدته – رحمها الله- منذ أن كان طفلاً، فقد كان يجمع المال منذ طفولته جرَّاء عمله في مكة لوالدته في مدينة عنيزة، حيث كانت تسكن من أخيه عبدالله، ويقول:
«كنت أنام أحيانًا في مستودع داخل حوش، وأحيانًا أنام في سطح منزل أحد أبناء القصيم وهو إبراهيم الفريح -رحمه الله- الذي كان يستضيف المقبلين من عنيزة، وفي النهار أسعى في أرض الله وآكل ما تيسَّر، حتى أوفر ما أستطيع من الدراهم لأسرتي الصغيرة».
ويروي الدكتور سليمان السحيمي، الحرص الشديد من محمد البراهيم السبيعي بما يتعلَّق بصلة الأرحام ويقول:
«كان العم محمد- رحمه الله – يتكلَّم في أمر تقوية صلة الرحم، وكان يتدخل لتقوية أواصر تلك العلاقة ويشاركه آخرون في ذلك الأمر، وكانت ذاكرته قوية فيتفقد الناس في المناسبات الاجتماعية أو خلال جلساته العائلية المعروفة وأهمها جلسة (يوم الجمعة) بعد صلاة الجمعة. وتلك الجلسة منذ أن سكنت الرياض وهي قائمة، ويتفقَّد فيها الأقارب والأصدقاء، ويذهب إلى الغائب دون التفات إلى فارق السن الذي يصل أحيانًا لثلاثين عامًا، لقد كان ينظر إلى أقاربه بمن فيهم أحفاده نظرة متساوية، دون الالتفات إلى أنه عميد العائلة وكبيرها».
المكافأة بعد الإنجاز:
وشدَّد محمد بن إبراهيم السبيعي- رحمه الله – في تربيته لأبنائه وأحفاده على وجوب قيام الإنسان بأعماله وواجباته على الوجه الأكمل، فإن أداها كما يجب استحق ممن حوله الدعم والمكافأة والتشجيع.
ويروي أخيه عبد الله بن إبراهيم السبيعي هذا الموقف:
كان أخي محمد يدرِّسني بين الظهر والعصر وهي فترة الراحة الوحيدة التي نأخذها من المطوع أو المدرس؛ لأننا نرجع بعد العصر للكتَّاب، فكان يطلب مني استغلال هذه الفترة في القراءة والدراسة، ويطلب مني أن أقرأ قول الشاعر:
الله يعافيك يا مضحي بشوفك يقديك | ياللي تشوف القداة اللاجية بالخرمسيه |
وكذلك من القرآن أن أقرأ بتجويد ﴿فَإمَّا مَنَّا بَعْدُ﴾ (محمد: 4) فإذا قرأتها كافأني أن أنام فترة الراحة، وإن لم أُجِدْ القراءة فهو يراجع معي، وذلك لحرصه على تعليمي وشغفه بالعلم، جزاه الله عني خير الجزاء.
كلمة للمقبلين على التجارة:
«من خبرتنا ننصح الشباب السعودي بتقوى الله والاتجاه للأعمال الحرة بأمانة ونشاط، وأن يحذروا جدًا من الحاقدين والحاسدين، وأنصح عموم المواطنين بمضاعفة الشكر لله ثم لولاة الأمر والتعاون معهم والدعاء لهم لما نتمتع به من نعم بعد الأضرار من كل جهة قبل الملك عبدالعزيز ويؤيّدني كل مواطن وغير المواطنين يهنئون السعوديين ويتمنون الحصول على الجنسية السعودية».
نصيحة للعاملين في القطاع الخاص
«لا تعتبروا قلة الراتب مشكلة في القطاع الخاص وليكن الطموح لديكم هو التفكير في المستقبل، وكما قيل «من صبر؛ ظفر» و «من طلب العُلا؛ سهر الليالي» بدون «نرفزة ولا دلع» وهذا الكلام طبقناه على أنفسنا في بداياتنا وغيرنا كثير ممن طبقه ومن يفضل الراحة يوقِّع على الحضور ويهرب من العمل فهو خسران في الدنيا والآخرة».
النظام والجدول اليومي لمحمد بن إبراهيم السبيعي:
حافظ محمد بن إبراهيم السبيعي طيلة مسيرته- رحمه الله – على نظام يؤديه يوميّــًا ولم يحد عنه، وهو:
- الحفاظ على أذكار الصباح بعد صلاة الفجر جماعة وأذكار المساء بعد صلاة المغرب جماعة.
- عندما يتناول الأدوية؛يذكر اسم الله، ثم يقول: اللهم لا دواء إلا دواؤك ولا شفاء إلا شفاؤك.
- حرص على قيام الليل.
- حرص على تناول عصير الليمون المحلًّى بالعسل مع الحبة السوداء يوميًا بعد صلاة الفجر.
- حرص على اختيار نوع الغذاء، مثل: الخضار والفاكهة والبقوليات والتمر، ويقلِّل من اللحوم والنشويات والسكريات والملح.
- يقيم مأدبة غداء واجتماعًا للأقارب عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع.
- يخصص اجتماعًا أسبوعيًا للجيران والأصدقاء مساء السبت، وقد تحول الموعد لاحقًا إلى مساء الأحد.
- يمقت التدخين، ويبذل النصح الأبوي الرقيق للمدخنين بالابتعاد عنه.
- يحرص على إجراء الفحص الطبي باستمرار لاسيما قياس الضغط والسكر، ويحث دائمًا على ذلك فهو يردد دائمًا: «اعقلها؛ وتوكَّل».
- كره السمنة والبدانة لآثارهما الصحية السيئة، ويحذر مجالسيه دومًا من التساهل في زيادة الوزن.
اقتباسات:
بعض الاقتباسات من رجل عاش عيشة الفقر والغنى وما بينهما من رحلة شاقة، على لسان محمد بن إبراهيم السبيعي في مختلف المناسبات:
تتجلى روح الحماس وعنفوان الشباب في امتهانه لعدد من المهن البسيطة التي عَمِل بها محمد بن إبراهيم السبيعي، فهو في كل ذلك يردد حكمته: «أن لا عسير إذا طلبت من الله التيسير»؛ ويقول في افتتاح فرع الرياض وفراق والدته وأخيه: «ابن آدم يسيرُ وفق ما كتب الله له، ولا يدري أين الخير الذي كُتِبَ له».
قال محمد بن إبراهيم السبيعي في أداء الأعمال لأحد أبنائه عبر قصيدة رائعة منها:
تفرّغ لأعـمـالـك وديـنـك وابـنـاك | ترى النار تقبس من صغير الشرارا | |
وما يرفعك يا كود تحصين يمناك | وبـعـلـمـك وجـهـدك ثروة وازدهارا |
يردد محمد بن إبراهيم السبيعي دائمًا على مسامع من حوله «مالك الا ما كتب الله لك» على أي فرصة استثمارية قرر عدم الدخول فيها.
وقال محمد بن إبراهيم السبيعي للعاملين في القطاع الخيري:
«إنّ من نعم الله على الإنسان الذي يعمل في المؤسسات الخيرية أن أعطاه شيئين؛ هما: وظيفة في الدنيا يكسب منها المال، وأجرا في الآخرة على الأعمال التي يخدم بها الفقراء والأيتام والمحتاجين، وأنت رغم أنك تأخذ المال إلا أنك في طاعة وخدمة جليلة».
وقال محمد بن إبراهيم السبيعي في نصيحة للشباب:
«إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك فيها وحب الإطراء؛ فإن ذلك من أوسع فرص الشيطان لإفسادك، وإياك والعجلة في الأمور قبل أوانها، وضع كل أمر موضعه».
وقال في إحدى قصائده:
وإيــاك لا تغتر في كل من جاك | وإياك لا تغلب ترا الفخر بالشطارا | |
ولا تندفع شاور على شان أعداك | ما يشمـتـوا بـك وأنـت صـابـك خسارا | |
,واحذر يغـرك من تمـسـكن ومنـاك | خـلـّـك ذكــي وفـــاهــــمــن للإشـــارا |