شاعرية السبيعي - محمد بن ابراهيم السبيعي

 

إن المتتبع للصعوبات والتحديات التي مرّ بها محمد بن إبراهيم السبيعي – رحمه الله – خلال طفولته وشبابه ونضجه وكهولته؛ يتوقَّع أن يكون معها السبيعي مشغول الفكر والبال في مجال الأعمال الحرة والتجارة والصرافة والعقار، ومنكبَّـًا على جمع الثروة، وبعيدًا عن الاهتمام بالأدب والشعر الذي لا يُدر ريالاً ولا يبني استثمارًا..!

ولكن شخصية محمد بن إبراهيم السبيعي ليست من هذا النمط؛ إذ إنه شخصية متعددة المواهب والإمكانات؛ فقد استطاع الجمع بين عقل التاجر الصادق وقلب الشاعر المرهف، ووجد في نظم الشعر المتنفَّس الوحيد – بعد اللجوء إلى الله – الذي يترجم به ما بداخله من أحاسيس ومشاعر؛ وهذه نعمة من نعم الله تساعد المرء على تفادي الوقوع في قبضة الكآبة وبراثن الحزن.

وأضحى الشعر جزءًا من كيانه ووسيلته في التعبير عمَّا يختلج مشاعره نحو أي حدث يمر به ويعيش فيه ويتعايش معه، فهو يجد فيه مستراح الفكر وتسلية النفس بعد عناء العمل وضغوط الحياة، ولعل ما أثَّر في بداياته – خصوصًا- حضوره لمجلس عمه ناصر السبيعي عندما كان حينها في العشرين من عمره؛ ما أكسبه ميلاً إلى حبِّ الشعر، فقد كان مجلس عمه يضم كوكبه من الشعراء فيسمع منهم أبياتًا وقصائد صقلت موهبته الشعرية مبكرًا، وهيأته لطرق أغراض معينة سيطرت على مسيرته الشعرية فيما بعد، وغلبت على ذهنه، فهو يعايشها ويجد في ذكرها سعادةً ومتنفسًا.

والدته .. في وجدانه !

نالت والدته نورة بنت ناصر العماش- رحمهما الله – مساحة واسعة من شعر ابنها محمد، فقد كان لها أكبر الأثر في حياته ونجاحه وبناء شخصيته؛ وأفرد لها مساحة واسعة من شعره في ذكر أفضالها وحنانها وشخصيتها الفريدة؛ وخصَّها بكثير من قصائده، فهو يترجم ما يكنّ لها من مودة واحترام، ويصف معاناة الوالدين وما يجدانه من مشقة في سبيل راحة أبنائهما، وحينما توفيت أمه كانت صمة فقدها ذات أثر كبير عليه؛ لذا تعثر قلمه ولم يستطع أن يكتب فيها بيتاً واحداً بعد ذلك؛ لشدة وقع المصاب على نفسه.

يقول محمد البراهيم السبيعي في إحدى قصائده معبِّرًا عن معاناة الوالدين في تربية الأبناء، وراسمًا صورة دقيقة واضحة بسيطة اقتبسها من بيئته، وجمعت كل الأخطار التي يتعرض لها الطفل وهو يتلمس طريق الحياة غِرًا:

 هـن الـذي تعبـن عـلينـا وحـنـا كالبيض محتاطة عروضٍ كثيرات
إمـا مرج وإلا انكسر وخسرنه وإلا صلـح والله يعــطي العــليـات

وقال السبيعي في فضل الوالدين وأن جزاهم على الله:

لـو نـجتـهـد كـل الجـهـد ونتعنـا مـثـل الـذي ينزح من البير بغـطـاة
كـن الثـرى مـثل الثـريـا تدنـى حـنـا الـثرى وهـن الثـريا رفيعات

كما وصف السبيعي والدته في إحدى قصائده وصفاً بليغا مؤثراً، حيث قال:

الـوالـدة ماشي كـماها بالبـشـر تـعـبت وربـتنا وحــنا مـصـغريـن
عساها بالجنة بعد طول العمر مـع سيـد الأبرار ختـام المرسـليـن
آميـن قولوهــا يا مـن حـضـر والله كــريم مـواعــد للـصـابـريـن أخيه

عبد الله ..الشقيق والصديق والرفيق:

أظهرت قصائد السبيعي عاطفته تجاه أخيه عبد الله السبيعي من اعتزاز ووفاء وحب؛ فقد ضمن هذه المعاني الكثير من قصائده؛ يقول فيها:

يا عضيدي شقيقي يقصر المدح دونه هـمـام وفــي طـيـبـاته تـعـددت

وفي قصيدة أخرى يخاطب أخاه عبد الله، يقول فيها:

عجلوا يا خوي واقضوا هالوطر مـدكــم ربـي بتـوفيـق مـبيـن
الــفــراق أمــر مــن مـر وصـر للمحب الوافي الشهم الأمين

وعند فراقه لأمه وأخيه، فيقول:

الــبارحـــة يـــوم إن كل تــهنــا كل غــفــت عنه بـجنــب الحبــيبات
وأنــا دمــوعي جــارية ما تـونـا مـن فقـد مـن لـه بالحشا مثل إبانـات
لا هـــو ولــد ولا خليــل غــبنـا ولا صــديــق ولا غروس ظليــلات
تـرى الـولد يأتـي بـــدالـه مثـنـا وتــرى بدال الــخل نلـــقى خليـلات
والمـال والصـاحب وكلاتـــهـن كلاتهن ســهلات مـا هــن مصيـبات
تـرى الـمـصيبـة بالذي يوم كنا نرقد طرب وهـن ساهـرات عليلات
هن الذي حق علـــينــا لــــهـــن الــسـمــع والـطـاع بـــكل الجوابات

 

أم إبراهيم..

نالت زوجته مساحة واسعة من قصائد محمد بن إبراهيم السبيعي، إذ عبر، رحمه الله، كثيرًا في قصائده عن حبه لزوجته واعتزازه بجميلها وتحمّلها.. ومما قاله فيها:

مهما تعرض ومهما بيت هلي عـنــدي كـحيلة أصـلية من أصــايل
مأمــونة حـرة وتشـيل حلـمي وتصبر على غلطتي ولو كنت عايل
حب أريش العين تل القلب تلهــو قــايد الــريم هو كث الــجــدايل

كما تبيّن تقديره العميق لدور الزوجة والأسرة وحبه الشديد لأفراد عائلته: أمّا وأخًا وزوجةً وأولادًا؛ إذ يقول:

أعيذه بربي من حسد بعض الأنجاس ذرب مــكمــلنـي وأنــا لــه كــمــالا
والله يــجــيره من هــوى كل دســـاس ومن هي تروف بزوجها والـحـلالا
يامــا تــحديتــه وأخــطــيـــت يا نــاس وهـــي تــحــدانــي بـطيــب ودلالا
ما يجحد المعروف غير أرذل النـاس أو فــاشــل حـــاقــــد عقـوق زمالا

وطنه.. عشقه

ولمحمد بن إبراهيم السبيعي، رحمه الله، الكثير من القصائد التي تبيّن مدى ارتباطه العميق بأرضه ومحبته لوطنه وقيادته، فقد قال في إحدى قصائده:

من حمى الإسلام وحكومة رشيدة زاده الله عــز وتوفيــق ومــهـــارا
حــكــمها بالشــرع والقـرآن سيده وبالــعــدل والسيف ما فيـها مدارا

كما كتب في رثاء الملك فيصل – رحمهما الله- وقد نشرت في جريدة الجزيرة بتاريخ 25\3\1395هـ  ومن ضمن ما قاله:

ظــهر الثلاثاء حل بالمملـكة كرب يا الله عـسى عقب سعود نراها
هـات القـــلم باملاه من ثومه القلب لـعـل يـشـفـي عـلـتـي ما براها
وهات المطابع كلها واضبط الكتب وأكــد عــلــى الـجـرايد نبــاها

ومما قاله في رحيل الملك خالد، رحمهما الله، وكان من ضمن من رافق جثمان الملك خالد بالطائرة من الطائف لمثواه بالعود بالرياض:

اسـتـشـهـد الـخـالد بتــدبـيـر مولاه وكل بكـى شيــــخ الإســلام وفـخـرها
الــمــوت حق ولا لأحد منه منجاه فيــاحــظ مــن أحســن ونفسـه قهرهـا

وكتب قصيدة في الملك فهد، رحمهما الله، بعد عودته من رحلة علاج خارج المملكة، وكان مما قاله في تلك القصيدة:

وفهــد خدم هالملك من الله انشاه حـــــلال مشكلها وأيـــضا عــقـدها
سياسي محنك لاتميـل أو تــحداه بل صارحه واكسب رضاه وتجدها
اخــــتـــاره الله للقــيادة وهيـــاه للملك مثل أهله وهـو من أهــلهـــا

أبناؤه.. نظر عينه:
احتل أبناء محمد السبيعي القدر الكبير من الحب والاهتمام والرعاية، تجلت هذه المحبة في عدد من القصائد لأبنائه.